مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة
مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة
مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة

سر النجاح
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولمحمد البشير الإبراهيمي - من إعداد عبد المالك عبد القادر صور شخصيةمواضيع مختلفة

 

 محمد البشير الإبراهيمي - من إعداد عبد المالك عبد القادر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد المالك عبد القادر
Admin



المساهمات : 416
تاريخ التسجيل : 01/03/2013
العمر : 60
الموقع : https://benchicao.forumalgerie.net

محمد البشير الإبراهيمي - من إعداد عبد المالك عبد القادر Empty
مُساهمةموضوع: محمد البشير الإبراهيمي - من إعداد عبد المالك عبد القادر   محمد البشير الإبراهيمي - من إعداد عبد المالك عبد القادر Emptyالإثنين مارس 04, 2013 9:07 am

محمد البشير الإبراهيمي
هذا الحديث كتبه الشيخ جوابا على أسئلة مجلة ((المصوّر)) المصرية، ونشر في سنة 1955
من أنا؟
أنا محمد البشير بن محمد السعدي بن عمر بن محمد السعدي بن عبد الله عمر الابراهيمي نسبة إلى قبيلة عربية ذات افخاذ وبطون تعرف بـ (( أولاد إبراهيم ))، وهي إحدى قبائل ستع متجاورة في سفوح الأطلس الأكبر الشمالية المتصلة بقمم جبال اوراس من الجهة الغربية، وكل ذلك واقع في مقاطعة قسنطينة من القطر الجزائري، وتجتمع قبيلتنا مع هذه القبائل السبع في يحي بن مساهل ذي النسب الشريف المتواتر بالسماع الفاشي، والثابت عند أئمة النسابين أمثال الامام عبد الرحمن الصباغ البجاوي صاحب كتاب الفصول المهمة، ويقع في عمود نسبنا خمسة من العلماء الاجلاء، عاشوا في مابين المائة والتاسعة والمائة الثالثة عشرة للهجرة، وكلهم كتب من هذا النسب وأثبته بالادلة التاريخية الممكنة، وآخرهم جدي الادنى الشيخ عمر الإبراهيمي وله فيه كتاب قرأته وأنا صغير، ومهما يكن في امر هذا الشرف النسبي الذي ورثت عدم الإهتمام به من عمي الذي رباني وعلمني، فمما لاشك فيه أن نسبنا عربي صميم، إن لم يكن في قريش فهو في هلال بني عامر لأن موطننا الحاضر من المجالات الاولى التي كان لنبي هلال فيها مضطرب واسع لأول هجرتهم من صعيد مصرفي أواسط المائة الخامسة.
مولدي ولدت عند طلوع الشمس من يوم الخميس الرابع عشر من شوال عام 1306 هجرية الموافق للثالث عشر جوان 1889 ميلادية، سمعت ذلك من عمي الآتي ذكره وقرأته بخط جدي الادنى على ظهر كتاب من كتبه سجل فيه مواليد الاسرة ووفياتها، وفيها مواليد أخواتي اللاتي ولدن قبلي، ولم يعش لوالدي من الذكور غيري.
نشأتي وتعلمي:
نشأت على ما نشا عليه أبناء البيوتات العلمية الريفية من طرائق الحياة، وهي تقوم دائما على البساطة في المعيشة والطهارة في السلوك والمتانة في الاخلاق، والاعتدال في الصحة البدنية، كل ذلك لبعد أريافنا في ذلك العهد على الحضارة الجليبة ومواقعها من المدن، فلما بلغت التاسعة أصيبت رجلي اليسرى بمرض، وكان للإهمال والبعد عن التطبيب المنظم أثر كبير في إصابتي بعاهة العرج في رجلي، وقد أساني ألمها والحزن عليها ماكنت منكبا عليه من التهام كتب كاملة بالحفظ، فكان لي بذلك أعظم سلوى عن تلك العاهة، وفيما عدا تلك العاهة فأنا مدين لتربيتي الريفية في كل ما اتمتع به إلى الآن من قوى بدنية وفكرية وخلقية.
قام على تربيتي وتعليمي من يوم درجت عمي شقيق والدي الاصغر الشيخ محمد المكي الإبراهيمي عالم إقليمنا المعروفبوطن((ريغة))وفريد عصره في إتقان علوم اللسان العربي، وكانت الأسر العلمية بوطننا قائمة على تقليد قديم متوارث وهو أنها تقوم بوظيفة المدرسة المعروفة، فيأوي إليها المنقطعون لطلب العلم عشرات ومآت، وتتكفل الأسرة بإطعام الغرباء منهم مهما كان عددهم احتسابا، ويقوم عالم الأسرة أو علماؤها بتعليمهم دروسا منظمة على ساعات اليوم، لكتب غالبها مما يدرس في الازهر إلى عهد قريب وإلى الان، ومن هذه الأسر أسرتنا التي توارثت العلم من خمسة قرون مضت في ماهو معروف، ومن نوابغها المعروفين الذين مازالت أسماؤهم دائرة على الألسنة، المعدودين من أعلام الفتيا والتدريس والانقطاع للنفع ابتغاء مرضاة الله: الشيخ القريشي الإبراهيمي، وكل هؤلاء وغيرهم عاشوا في القرون الثلاثة الاخيرة.
تعلمي:
لم أفارق في تعلمي بيت أسرتي، فهي مدرستي التي تعلمت فيها وعملت، أخذني عمي بالتربية والتعليم منذ أكملت السنة الثالثة، وكنت وملازما له حتى في النوم، فكان لا يخليني دقيقة واحدة من فائدة علمية، وكانت له طريقة عجيبة في تنويع المواضيع والمحفوظات حتى لا امل، واختصصت بذاكرة وحافظة خارقتين للعادة، وعرف رحمه الله كيف يصرفهما في، فحفظت القرآن حفظا متقنا في آخر الثامنة من عمري، وحفظت معه – وأنا في تلك السن نتيجة للتنويع الذي ذكرته – ألفية ابن مالك وتلخيص المفتاح، وما بلغت العاشرة حتى كنت أحفظ عدة متون علمية مطولة، وما بلغت الرابعة عشر حتى كنت أحفظ ألفتي العراقي في الاثر والسير ونظم الدول لابن الخطيب ومعظم رسائله المجموعة في كتابه ريحانة الكتاب، ومعظم رسائل فحول كتاب الاندلس كابن شهيد وابن أبي الخصال وابي المطرف ابن ابي عميرة، ومعظم رسائل فحول كتاب المشرق كالصابي والبديع، مع حفظ المعلقات والمفضليات وشعر المتنبي كله وكثير من شعر الرضي وابن الرومي ولأبي تمام والبحتري وأبي نواس، كما استظهرت كثيرا من شعر الثلاثة جرير والاخطل والفرزدق، وحفظتُ كثيرا من كتب اللغة كاملة كالاصلاح والفصيح، ومن كتب الادب كالكامل والبيان وأدب الكاتب، ولقد حفظتُ وأنا في تلك السن أسماء الرجال الذين ترجم لهم نفح الطيب وأخبارهم وكثيرا من اشعارهم، إذ كان كتاب نفح الطيب – طبعة بولاق – هو الكتاب الذي تقع عليه عيني في كل لحظة منذ فتحت على الكتب، ومازلت اذكر إلى الآن مواقع الكلمات من الصفحات وأذكر ارقام الصفحات من تلك الطبعة، وكنتُ أحفظُ عشرات الابيات من سماع واحد مما يحقق مانقرأه عن سلفنا من غرائب وحفظ. وكان عمّي يشغلني في ساعات النَّهار بالدروس المرتبة في كتب القواعد وحدي أو مع الطلبة ويمتحنني ساعة من آخر كل يوم في فهم ما قرأت فيطرب لصحتي فهمي، فإذا جاء الليل املى علي من حفظه – وكان وسطا- أو من كتاب ما يختار لي من الابيات المفردة أو من المقاطيع حتى أحفظ مائة بيت، فإذا طلبت المزيد انتهى وقال لي: إن ذهنك يتعب من كثرة المحفوظ كما يتعب بذلك من حفظ الاثقال، ثمّ يشرح لي ظواهر المعاني الشعرية، ثمّ يأمرني بالنوم رحمه الله.
مات عمّي سنة 1903 ميلادية ولي من العمر أربع عشرة سنة، ولقد ختمت عليه دراسة بعض الكتب وهو على فراش المرض الذي مات فيه، وأجازني الإجازة المعروفة عامة، وأمرني بأن أخلفه في التدريس لزملائي الطلبة الّذين كان حريصا على نفعهم، ففعلت ووفق الله وامدتني تلك الحافظة العجيبة بمستودعاتها، فتصدرت دون سن التصدر، وأرادت لي الاقدار أن اكون شيخا في سن الصبا، وما أشرفت على الشباب حتى اصبت بشر ىفة يصاب بها مثلي وهي آفة الغرور والغعجاب بالنفس، فكنت لا أرى نفسي تقصر عن غاية حفاظ اللغة وغريبها وحفاظ الغنساب والشعر، وكتت اهلك بهذه الآفة لولا طبع أبي مرح كريم، ورحلة إلى الشرق كان فيها شفائي من تلك الآفة.
رحلتي إلى الشرق:
رحلت من الجزائر إلى الحجاز سنة 1911 ميلادية وعمري إحدى وعشرون سنة ملتحقا بوالدي الذي اتخذ المدينة قرار له لأن والدي سبقني إليها سنة 1908 فرار من ظلم فرنسا، فالتحقت به متخفيا أوائل سنة 1912 كما خرج هو متخفيا،
وأمرني بالالتحاق به، فمررت على القاهرة وأقمت بها ثلاثة اشهر، طفت فيها بحلق الدروس في الازهر، وزرتُ شوقي الذي كنت رواية لشعره، وحافظ إبراهيم في مقهى من مقاهي القاهرة، والشيخ رشيد رضا في دار الدعوة والإرشاد، وجماعة من علماء الازهر، ثمّ القيت الرحال بالمدينة حيث استقر والدي، وعكفت على القراءة والغقراء، فكنت ألقي عدة دروس متطوعا وألقي عدة دروس في التفسير والحديث، واعانتني تلك الحافظة على استعاب اسماء الرجال وحفظ كتب كاملة في الحديث، وكنت أغشى ثلاث مكتبات جامعة غنية بعشرات الآلاف من المخطوطات النادرة: مكتبة شيخ الإسلام ومكتبة السلطان محمود ومكتبة شيخنا الشيخ الوزير التونسي مع مكتاب اخرى شخصية، فبلغت منها غايتي حفاظا وإطلاعا مدة خمس سنوات و شهور.
هذا الطور من حياتي هو الذي تفتح في ذهني للأعمال العامة، فشاركت برأيي في الأراء المتعلقة بالسياسة العامة للدولة العثمانية، وفي علاقة العرب بها، وفي الاصلاح العلمي بالحرم المدني، وباشرت هذا الآخير بنفسي مع ثلة من شباب الطلبة المتنورين، وقد كاد ينجح ويؤتي ثمراته لولا أن فاجأتني الحرب العالمية الأولى ثم ثورة الشريف حسين بن علي التي كنت من المقاومين لها بقلمي ولساني، ثم كانت هي السبب في إجلاء سكان المدينة عنها إلى الشّام والأناضول.
انتقالي إلى دمشق:
كنت انا ووالدي من المرحلين من المدينة إلى الشام في النصف الاخير من سنة 1916، فاستقررت بدمشق في حالة يرثى لها، واتصل بي اثر وصولي جماعة من اهل العلم والفضل، واتصل بي جمال باشا بواسطة عون من اعوانه هو نقيب الاشراف السابق يريدني على أن أخدم سياسته بقلمي ولساني، فتجافيت عن ذلك بتحايل لطيف، واتصل بي كثير من اصحاب المدارس الاهلية العربية، فقبلت العليم عندهم لأقوم بحاجتي وحاجة والدي وأتباعنا، ثمّ حملني جمال على أن أكون أستاذا للعربية في ((السلطاني)) وهو المدرسة الثانوية الأولى بدمشق، وما كدت اباشر عملي فيها حتى ذهب جمال باشا ثم ذهب السلطان التركي بعده بقليل، وأصبح التعليم الرسمي كله عربيا، فأصبحت بذلك أستاذا للآداب العربية وتاريح اللغة وأطوارها وفلسفتتها بالمدرسة السلطانية الأولى، واطمأنت بي الدار إذا وقعت على وظيفتي الطبيعية، وتخرجت على يدي في ظرف سنة واحدة جماعة من الصفوف الأولى وهم اليوم في طليعة الصفوف العاملة في حقل العروبة.
رجوعي إلى الجزائر:
كان الأمير فيصل بن الحسين حينما دخل دمشق يريدني على الرجوع إلى الحجاز لأتولى إدارة التعليم فيه، وكان يلح علي في ذلك كلما لقيته، وهو صديق لي منذ كنا نجتمع بالمدينة في حضرة أخيه الامير علي، وأنا غير راض عن سياسة ابيه وغير مطمئن إلى حكمه وإدارته، فكنت أطاوله في ذلك وأعلله، ثمّ اضطربت احوال سوريا في النصف الأخير من سنة 1919 ملادية وتبين لي مصير مصير فيصل ومصير سوريا فقلبت الرأي على وجهه وعواقبه، وجاءتني من الجزائر أخبار متواترة تفيد أن الجو فيها أصبح صالحا للعمل المثمر في العلم وفي السياسة، فعقدت العزم على الرجوع إلى الجزائر، وقد كنت تزوجت في تلك المدة بدمشق ومات والدي وولدي بها.
رجعت إلى الجزائر في اوائل سنة 1920 على نية القيام بعمل علمي عام يعقبه عمل سياسي، فوجدت الجو أصلح مما تركته سنة 1911ميلادية بسبب تأثير الحرب وويلاتها في النفوس، ولكن الاستعداد في الامة لم يكن كافيا للقيام بعمل يعتمد عليها، فأتفقت أنا وجماعة من غخواني العلماء الاحرار على أن نبتدئ، بإكمال الاستعداد في الامة وقررنا الوسائل المؤدية إلى ذلك، وكان الجهد الشاق، وجاءت سنة 1930 حدا فاصلا بين الماضي والحاضر، ففيها ثم اللاحتلال الفرنسي من العمر مائة سنة، وأقامت فرنسا المهرجانات ابتهاجا بذلك، وسخطت الامة العربية الإسلامية على ذلك، ورأت في بعض مواد المهرجان إهانة سافرة لها وامتهانا لمجدها وجرحا لكرامتها وافتراءا على تاريخها، واستغللنا نحن ذلك كله في إثارة نخوتها وإيقاظ إحساسها وإكمال استعدادها للعمل، وفشلت تلك المهرجانات بأعمالنا وبعوامل أخرى خارجية، وخسرت فرنسا آملها المرجوة منها كما خسرت الأموال الطائلة التي أنفقتها عليها.


تأسيس جمعية العلماء الجزائريين:
تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في سنة 1931 ميلادية، وكانت عوامل تكوينها طبيعية بسيطة عن قصد، لئلا تثير من الاهتمام مايدعو إلى مقاومتها قبل أن تستوي على سوقها فتكون الضربة القاضية عليها، ولو قضي عليها إذ ذاك لما استطعنا تجديدها في عشرات السنين، وعشنا في تلك البساطة سنة ثبتنا فيها قواعد العمل، واتصلنا بطبقات الأمة ووثقنا فيها العلائق بها، وما جاءت السنة الثانية حتى بدأت الأيدي المتدسسة تعمل عملها، ولكنها لم تؤثر شيئا لأن مبادئ الجمعية تغلغلت في ذلك الزمن القصير إلى مستقر العقيدة من نفوس من كمل استعدادهم من الأمة.
عملي في الجمعية:
أخجل حين أتحدث عن عملي في الجمعية، فلأتركالشهادة للواقع الذي عرفه من عرفه، وسيعرفه كل من بحث عنه، وإنما أنا معتز بالثقة التي أولانيها إخوان من يوم تكونت هذه الجمعية، فلم أزل وكيلها من يوم يومئذ نائبا عن الرئيس عبد الحميد بن باديس باني نهضة الجزائر بجميع فروعها، وكنت أقوم عليه بكثير من الاعمال إلى أن توفاه الله في السادس عشر أبريل سنة 1940 ميلادية وأنا في الاعتقال، فانتخبني إخواني رئيسا للجمعية، ومازلت متشرفا بهذه الرئاسة إلى الآن، وكان من اعمالي بعد خروجي من الاعتقال ثلاث سنوات أن اسست في سنة وبعض السنة نحو سبعين مدرسة عربية حرة متفرقة من جهات القطر بمال الامة، وقد وصل عدد المدارس الابتدائية.











































الجالسون من اليمين إلى اليسار: محمد السعيد الزاهري، العربي التبس، البشير الابراهيمي، محمد إبراهيم الكتاني(من الغرب ضيفا)، عبد الحميد بن باديس، الطيب العقبي، عبد القادر بن زيان، مبارك الميلي.
الواقفون : محمد العيد آل خليفة، فرحات الدراجي، باعزيز بن عمر، مصطفى حلوش، محمد خير الدين، علي الخياري، أبو اليقضان ـ أخذت هذه الصورة بنادي الترقي في عام 1934.
الحرة التي اسستها الجمعية بسعيي وإشرافي وبمال الامة الخالص نحو مائة وخمسين مدرسة منها الضخم الفخم ومنها دون ذلك، وتحتوي هذه المدارس على نحو خمسين الف تلميذ، وعلى نحو أربعمائة معلم، يتوجها معهد ثانوي فخم يأوي نحو ألف تلميذ، وهو بجميع مرافقه ملك للأمة.
موقف الاستعمار مني: يقبح المجاهد أن يذكر للناس ما اصابه في سبيل الله من بلاء، ولكنني مطلوب بهذا كجزء من تاريخ حياتي، فلأذكر- على استحياء – لقراء((المصور))بعض ذلك.
لا أذكر الملاحقات الجزئية والمضايقات فتلك طبيعة الاستعمار مع كل عامل على غير هواه، وإنما اذكر الكليات الكبرى، فقد أصدرت الحكومة الفرنسية أمرا بإعتقالي في أوائل الحرب العالمية الثانية بدعوى أن وجودي خطر على الامن العام، وتم نفيي عسكريا يوم 10 ابريل سنة 1940 ملادية إلى قرية تائية في الجنوب الوهراني،((*قال ولما ضاقت فرنسا ذرعا بأعمالي ونفذ صبرها على التحديات الصارخة لها، وأيقنت أن عاقبة سكوتها عنا هو زوال نفوذها وخاتمة استعمارها – اغتنمت فرصة نشوب الحرب العالمية الثانية، واصدر رئيس وزرائها إذ ذاك(دالاي)قرارا يقضي بإبعادي إلى الصحراء الوهرانية إبعادا عسكريا لا هوادة فيه، لأن في بقلئي طليقا حرا خطرا عاى الدولة، كما هي عبارته في حيثيات القرار، ووكل تنفيذقرارة للسلطة العسكرية فنقلوني للمنفى في عاشر افريل سنة 1940وبعد استقراري في المنفى بأسبوع تلقيت الخبر بموت الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله بداره في قسنطينة بسرطان الامعاء كان يحس به من سنوات ويمنعه انهماكه في التعليم وخدمة الشعب من التفكير فيه وعلاجه، وقد شيع جنازته عشرات الالوف من الامة رغما عن قسوة الاحكام العسكرية وقت الحرب، زاجتمع المجلس الإداري للجمعية ورؤساء الشعب يوم موته وانتخبوني رئيسا لجمعية العلماء بالإجماع، وأبلغوني الخبر وأنا في المنفى فأصبحت أدير الجمعية وأصرف اعمالها من المنفى بالرسائل المتبادلة بيني وبين إحواني بواسطة رسل ثقات، وكانت حين بدأت نذر الحرب تظهر وغيومها تتلبد أجتمع الشيخ ابن باديس في داري بتلمسان فقررنا ماذا نصنع إذا قامت الحرب، وقررنا من يخلفنا إذا قبض علينا، وقلبنا وجوه الرأي في الاحتمالات كلها، وقدرنا لكل حالة حكمها، وكتبنا كل ما اتفقنا عليه نسختين، ولكن كانت الأقدار من وراء تدبيرنا فقبضه الله إليه))، ودام ذلك النفي ثلاث سنوات إلا قليلا، ولما اطلق سراحي وضعت تحت المراقبة الإدارية سنوات إلى أن انتهت الحرب، وفي يوم انتهاء الحرب دبر المعرون مذابح 8ماي 1945، وفي ليلة 27 منه كبست داري بقوة عسكرية، ففتشوا منزلي وساقوني إلى السجن العسكري بالعاصمة، في غسق الليل وبصورة مزعجة محاطا بقوات اخرى من داري إلى السجن وبينهما نحو 8 كيلومترات، ولبثت في زنزانة ضيقة تحت الارض لا ارى الضوء ولا استنشق هواء الحياة نحو سبعين يوما، وكانوا لايخرجونني منها إلا ربع ساعة في 24 ساعة من حراسة مشددة، فلما انهارت صحتي نقلوني إلى بيت منفرد على وجه الارض وفيه بعض وسائل الحياة، ولما اكملت مائة يوم نقلوني ليلا في طائرة خاصة مخفورا إلى السجن العسكري بمدينة قسنطينة حيث كان مسرح الحوادث الدامية الفضيعة التي ارتكبتها عصابات المعمرين ضد الاهالي الآمنين، وكان هذا النقد تمهيدا لمحاكمتي في محكمة عسكرية على الحوادث التي دبرها الاستعمار واهله، وكنت إذا اشتد علي المرض نقلوني إلى المستشفى العسكري تحت الحراسة الشديدة في حجرة منفردة، ولبثت في السجن العسكري ومستشفاه أحد عشر شهرا، ولبث في المعتقلات عشرات الآلاف من رجال الجمعية وانصارها وأتباع الحركات الوطنية مثل تلك المدة، ثم بدا للاستعمار فاطلق سبيل الجميع بإسم العفو العام لا باسم الرجوع إلى الحق.
وبعد خروجنا من السجون والمعتقلات، وبعد فتح المدارس التي عطلوها نتيجة لتلك الحكاية المدبرة، رجعت إلى عملي من تعمير المدارس القديمة وتأسيس مدارس جديدة، حتى بلغت العدد الذي ذكرناه، ونجحت في إحياء اللغة العربية نجاحا منقطع النظير.((*
رحلتي إلى الشرق:
في يوم 7مارس 1952 خرجت من الجزائر إلى الشرق في رحلة منظمة البرنامج واضحة القصد، وأقمت في القاهرة أسبوعا ثم سافرت إلى باكستان فأقمت بها قريبا من ثلاث أشهر استوعبت فيها زيارة المدن الباكستانية من كراتشي إلى كشمير وما بينهما، وألقيت في هذه المدن نحو سبعين محاضرة في الدين والاجتماع والتاريخ وأمراض الشرق وعلاجها، ثمّ رحلت عنها إلى العراق، فاستوعبت مدنها من البصرة إلى حدود تركيا وإيران من جبال الأكراد، وألقيت فيها عشرات المحاضرات الاجتماعية والدروس الدينية، ثم رحلت عنها بعد نحو ثلاثة أشهر إلى الحجاز في حج سنة 1952 ميلادية تفسها، وألقيت كثيرا من المحاضرات والاحاديث، ثم رجعت إلى القاهرة يوم 24 أكتوبر من تلك السنة، ثم ترددت منها على العراق والحجاز وسوريا والاردن والقدس مرات متعددة وألقيت في جميعها كثيرا من المحاضرات.
الغرض من هذه الرحلات أمران رئيسيان: الاول مشلركة دعاة الخير في هذا الشرق فيما يدعون إليه، وأنا أرى هذا فرض علي يجب أن أؤديه، والثاني التعريف بالجزائر المنسية من اخواتها، ودعوة الحكومات الإسلامية والعربية على الخصوص في إعانتها في نهضتها الثقافية.
أما الغرض الاول فقد حققته بنفسي لأني أملكه، أما الغرض الثاني فقد تحقق جزء يسير منه، وأنا ساع في تحقيقه على صورة أكمل، والجزء الذي تحقق هو ان كثيرا من الحكومات العربية قررت قبول بعثات من تلامذة جمعية علماء الجزائر يدرسون في معاهدها على نفقتها، ولنا اليوم بفضل هذه المساعي خمسة عشر طالبا في مصر.
وقد كونت في القاهرة مكتبا باسم الجمعية ليشرف على هذه البعثات وتزايد أعدادها، ولي مع الحكومات العربية وعود، إن تمت فسيبلغ عدد الطلاب إلى مآت، وتسدد جامعة الدول العربية بعض نفقات المكتب.((* بلغ عدد المدارس الإبتدائية العربية أربعمائة وزيادة، وبلغ عدد تلاميذتها إلى اليوم الذي سافرت فيه إلى الشرق مئات الآلاف بين بنين وبنات، وبلغ عدد معلميها ألفا وبضع مئاتن وبلغة مزانيتها الخاصة مائة مليون فرنك وزيادة إلى نهاية خروجي من الجزائر سنة 1952، ولما بلغ عدد المتخرجين من مدارسنا بالشهادة الابتدائية عشرات الآلاف، وجدت نفسي أمام معضلة يتعسر حلها، ذلك أن حاملي هذه الشهادة ذاقوا حلاوة العلم فطلبوا المزيد، وأرهقوني من أمري عسرا، وألحوا عليّ أن أتقدم بهم خطوة إلى الأمام... فكان واجبا عليّ أن أخطوا بهم إلى التعليم الثانوي، ...فكان ذلك مشجعا على إنشاء معهد ثانوي بمدينة قسنطينة نسبناه إلى إمام النهضة ابن باديس، تخليدا لذكره، واعترافا بفضله على الشعب، فاشترينا دارا عظيمة واسعة من دور عظماء البلدة، وجعلنا منها معهدا ثانويا، وهيأنا له من سنته الاساتذة والتلامذة والكتب والمال، فكان التعليم فيه بالمعنى الكامل عند غيرنا من الامم ببرامجه وكتبه وأدواته، وكان هذا المعهد تاجا...))
أولادي:
أسرتي الخاصة لم تزل بالجزائر، وقد عاش لي من الأولاد إبنان وبنتان، وأكبر الولدين يباشر أعمالا طفيفة من التجارة يستعين بها على حاجيات الاسرة، وقد قطعه عن الدراسة – بعد أن وصل إلى سنة البكالوريا- عوائق منها مرض خطير معطل ألم به، ومنها اضطراره إلى القيام بالعائلة في سنوات إعتقالي، ونصيبه في الدراسات العربية والفرنسية قوي وافر، وأما أصغر الولدين فقد درس الطب في جامعة الجزائر ودرس العربية في البيت، وحظه منها لايقل عن حظه من الفرنسية، وهو هذه السن يكمل السنة الخامسة للطب في جامعة باريز، ويحضر الاطروحة في السنة الآتية، ويستعد للتخصص، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وسيكون من الاوائل الذين تخرجهم جامعة الجزائر في هذه السن.

حالتي المادية:
ليس لي مالا موروث ولا مكتسب، واهلي يعيشون في الجزائر على مرتب شهري من صندوق الجمعية، تضايقهم فيه نفقات الولد الذي يدرس في باريس، أما أنا فلا أدري الحكمة التي بنى عليها محرر ((المصور)) هذا السؤال المحرج، ولا أدري أأجيبه بالواقع؟ أم أجيبه بظن الناس وتقولهم؟ فلأجبه بالاثنين: فالناس يظنون أنني أتقاضى مرتبا من الحكومة السعودية أو من غيرها من الحكومات العربية، وليس لهذه الظنون حقيقة ولاظل من الحقيقة أما الواقع – وسامح الله الاخ الذي أدمج هذا السؤال في الاسئلة فأحرجني بالسوؤال، وأحرجني إلى الإجابة...-الواقع ياسيدي السائل أنني أعيش بالدَين(بفح الدال)، ولي في خلاص هذا الدين طريقة وهي قضاء الدين بالدين، كما قالوا فيمن يغسل الدم بالدم، ولا أدري أيؤاخذ القانون على هذا؟ وما دخل القانون إذا لم تقع مطالبة؟ على ان إقامة بمصر مؤقتة، وقد دخلتها شريفا وساخرج منها إن شاء الله أشرف مما دخلتها.
أثر أعمالي وأعمال إخواني في الشعب الجزائري (*)
أثر أعمالنا في الشعب بارز لا ينكره حتى أعداؤنا من الاستعماريين وخصومنا من إخواننا المسلمين، فمن آثرنا بث الوعي واليقضة في الشعب حتى أصبح يعرف ماله وما عليه ومنه إحياء تاريخ الإسلام وأمجاد العرب التي كان الاستعمار يسد عليه منافذ شعاعها، حتى لا يتسرب إليها شيء من ذلك الشعاع، ومنها تطهير عقائد الإسلام وعبادته من أوضار الضلال والابتداع، وإبراز فضائل الإسلام، وأولها الاعتماد على النفس، وإيثار العزة والكرامة، والنفور من الذلة والاستكانة والاستسلام، ومنها أخذ كل شيء بالقوة، ومنها العلم، هذه الكلمة الصغيرة التي تنطوي تحتها جميع الفضائل، ومنها بذل المال والنفس في سبيل الدين والوطن، ومها نشر التحابب والتآخي بين أفراد المجتمع، ومنه التمسك بالحقائق لا بالخيالات والأوهام، فكل هذه الفضائل كان الاستعمار يغطيها عن قصد لينساها المسلمون على مر الزمان، بواسطة التجهيل وانزواء العقل والفكر، وقد أصبح الشعب الجزائري بفضل جمعية العلماء، وما بذلناه من جهود في محو الرذائل التي مكن لها الاستعمار ، وتثبيت الفضائل التي جاء بها الإسلام، ولو تأخر وجود الجمعية عشرين سنة لما وجدنا في الجزائر من يسمع سوتنا، ولو سلكنا سبيلا غير الذي سلكناه في إيقاظ الأمة وتوجيهها في السبيل السوي لما قامت هذه الثورة الجارفة في الجزائر، التي بيضت وجه العرب والمسلمين، ولو نشاء لقلنا إننا أحيينا اللسان العربي، والنخوة العربية، وأحيينا دين الإسلام وتاريخة المشرق، وأعدنا لهما سلطانهما على النفوس وتأثيرهما في العقول والأرواح، وشأنهما الأول في الاتعاظ والأسوة، فأحيينا بذلك كله الشعب الجزائري فعرف نفسه، فاندفع إلى الثورة يحطم الأغلال ويطلب بدمه الحياة السعيدة والعيشة الكريمة، ويسعى إلى وصل تاريخه الحاضر بتاريخه الغابر.
مؤلفاتي(*):
لم يتسع وقتي للتأليف والكتابة مع هذه الجهود التي تأكل الأعمار أكلا، ولكنني أتسلى بأنني ألّفت للشعب رجالا، وعملت لتحرير عقوله تمهيدا لتحرير أجساده، وصححت له دينه ولغته، فأصبح مسلما عربيا، وصححت له موازين إدراكه فأصبح إنسانا أبيا، وحسبي هذا مقربا من رضى الرب ورضى الشعب.
ومع ذلك فقد ساهمت بالكتابة في موضوعات مفيدة، ولكن لم يساعدني الفراغ ولا وجود المطابع على طبعها، وقد بقيت كلها مسودات في مكتبتي بالجزائر.
فمن أجلّ ماكتبت (*):
عيون البصائر: وهي من مقالات التي كتبتها بقلمي في جريدة البصائر في سلسلتها الثانية.
كتاب: (بقايا فصح العربية في اللهجة العامية بالجزائر)و(التزمت فيها اللهجة السائدة اليوم في مواطن هلال بن عامر)
كتاب: (كتاب النقايات والنفايات في لغة العرب) جمعت فيه كل ماجاء على وزن فعالة (من مختار الشيء أو مرذولة).
كتاب : ( أسرار الضمائر في العربية)
كتابSad التسمية بالمصدر)
كتاب: (الصفات التي جاءت على وزن فعل )بفتح العين.
كتاب: (نظام العربية في موازين كلماتها)
كتاب: (الاطراد والشذوذ في العربية)، (رسالة في الفرق بين لفظ المطرد والكثير عند ابن مالك)
كتاب : (ماأخلت به كتب الأمثال من الأمثال السائرة)، (رسالة في الترجيج أن الأصل في بناء الكلمات العربية ثلاثة أحرف لا اثنان).
رواية: (كاهنة أوراس) بأسلوب مبتكر يجمع بين الحقيقة والخيال.
(رسالة في مخارج الحروف وصفاتها بين العربية الفصيحة والعامية).
كتاب: ( حكمة مشروعية الزكاة في الإسلام)بدأت فيه من أيام إقامتي في دمشق بعد الحرب الأولى، وأتممته بعد ذلك في فترات، وبحثت فيه ينابيع المال في الإسلام، واستخرجت يتابيع أخرى غير منصوصة يلتجئ جماعات المسلمين إذا حز بهم أمر، أو فاجأتهم حادثة.
كتاب: (شعب الإيمان)جمعت فيه الأخلاق والفضائل الإسلامية.
وهناك محاضرات وأبحاث كتبها عني التلامذة في حين إلقائها، وهناك فتاوى متناثرة.
ولكن أعظم ماد ونت، ملحمة رجزية نظمتها في السنين التي كنت فيها مبعدا في الصحراء الوهرانية، وهي تبلغ ستة وثلاثين ألف بيت من الرجز السلس اللزومي في كل بيت منه، وقد تضمنت فنونا من المواضيعك تاريخ الإسلام ووصف لكثير من الفرق التي حدثت في عصرنا هذا، وللمجتمع الجزائري بجميع فرقه ونحله، ولأفانين في الهزل، وللمذاهب الاجتماعية والفكرية والسياسية المستجدة، والإنحاء على الابتداع في الدين، وتصوير لأولياء الشيطان، ومحاورات أدبية رائعة بينهم وبين الشيطان، ووصف الاستعمار ومكائدة ودسائسه وحيله وتخديراته للشعوب للقضاء على مقوماتها.






الإسلام في الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المستمعون الكرام: السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته.
وضع الجزائر اليوم من حيث التخطيط الجغرافي والتحديد الإداري وضع جديد بدأ قي العهد العثماني وتم في عهد الاحتلال الفرنسي ، أما في القديم فكانت قطعة من المملكة العربية الإسلامية التي شادها الفاتحون في القرن الأول للهجرة وجعلوا عاصمتها القيروان هي التي كانت تتحكم في تونس والجزائر ومراكش، وفي الأندلس بعد فتحها، بدليل أن العمال لهذه الأقطار كلهم كانوا يستعملون من قبل والي القيروان لا من مركز الخلافة في الشرق، فلما ظهرت الدعوة الأموية في الأندلس على يد عبد الرحمان بن معوية انفصلت الأندلس عن القيروان، ولما ظهرت الدعوة العلوية على يد إدريس بن عبد الله انفصلت مراكش عن القيروان، وليس بين مراكش والجزائر حدود طبيعية تفصل إحداهما عن الأخرى، ولا بين الجزائر وتونس، فالدم واحد والعنصر (جاهلية وإسلاما) واحد، والأطلس الأشم آية من الله شاهدة على هذه الأقطار بالوحدة، والاسلام الذي طوى هذه الاقطار في ملاءته زادها وحدة وارتباطا.
والإسلام في الجزائر كالإسلام في غيرها من أوطانه، فإذا اختلفت على هذه الأوطان ألوان من الإدارة والحكم، أو تعاورتها أطوار من الفساد والصلاح فالإسلام في جميعها واحد، يعلو اسمه بعلو المسلمين وينحط بانحطاطهم وتقوى آثارهم بقوة فهم المسلمين له وإقامتهم لشعائره ووقوفهم عند حدوده،وتضعف حين يبتعدون عن هدايته، أما حقائقه العليا فهي قائمة بقيام القرآن .ثابتة بثبوته، موجودة بوجوده، وإنما قصرنا العنوان على الجزائر استجابة لمقترح خاص بعنوان معين، ويتضح المراد منه بزيادة كلمة((اليوم)) والأمس فيصير العنوان الكامل: الإسلام في الجزائر ماضيه وحاضره.
ونعني باليوم الحقبة المشؤومة التي ابتليت فيها الجزائر بالاستعمار الفرنسي لأن هذه الحقبة هي التي أصبح للإسلام فيها وضع شاذ على بقية الأقطار الإسلامية شرقها وغربها، وبهذا التحديد يستطيع المتحدث أن يأتي بكلام مفيد في الدقائق المحدودة في ((صوت العرب))المجلجل.
الجزائر - أيها المستمعون الكرام من أزكى المغارس التي غرست فيها شجرة الإسلام فنمت وترعرعت ثم آتت أكلها طيبا مباركا فيه من القرن الأول للهجرة: فقد حمل الفاتحون وفيهم أولو بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليم الإسلام إلى شمال إفريقيا، وقلب هذا الشمال هو ما نسميه اليوم الجزائر، فتنشروها بالإقناع وثبوتها بالشواهد العلمية بعد أن اجتثوا من الشمال وثنية البربر وبقايا العتو الروماني، نشروا عقائد الإسلام حتى استقرت في النفوس، وعباداته حتى اطمأنت إليها النفوس، وأحكمته حتى حققت العدل، وحفظت الحقوق، وصانت المصالح، وضمنت المساواة، وأخلاقه حتى تعايش الناس على المحبة وتعاونوا على البر والتقوى.
والفتح الإسلامي بعيد عن معنى الفتح المتعارف عند المؤرخين والحربيين، المبني على القسوة والقهر، المثمر للتمكن والسلطان، إنما الفتح الإسلامي فتح للقلوب الغلف على الهداية، والعيون العمي عن الحق، والآذان الصم عن دعوة الحق، والأذهان الغافلة عن الله، والعقول المحجوبة بالظواهر عن حقائق الكون والحياة والنفوس المفرغة عن الشر لتعمر بالخير والمحبة وصدق المعاملة مع الله ومع عباده، حتى إذا استقامت هذه القوة كلها على طريقة الحق واشرق عليها الإيمان بنورة، كملت إنسانية الانسان وصلح الفرد، فصلحة الجماعة المؤلفة من الأفراد، فصلحت الدولة المركبة من الجماعات.
وانحدر الاسلام في شمال إفريفيا – والجزائر في قلبه دائما – مع تاريخه مرة يضعف ومرات يقوى، ولكنه محتفظ دائما بسلطانه على النفوس، ومن آثار ذلك السلطان القاهر مانراه من آثار العقول في ازدهار العلوم والآداب وكثرة التأليف وظهور النوابغ فيها خصوصا فيما قبل الألف، وما نراه من آثار الأيدي المفتنة في المساجد والمدارس، وعلى وجوه الخير وسبله المتنوعة من تنشيط العلم وتعميمه، وتخفيف البؤس عن البائسين، وتسليح المرابطين وتزويدهم، وصيانة اليتامى ورعاية المنقطعين، ومعالجة المرضى، بحيث لم تبق حاجة من حجات المجتمع لم تتناولها همم المحسنين بالسد والكفاية من هذه الأوقاف، وكانوا أذكى المنتبهين لخظ\طر الآفات الثلاث المبيدة للشعوب: الجهل، والفقر، والمرض، فوضعوا للوقية منها أسدادا من الأوقاف، ومن اطلع على رواية المؤرخين وترجماتهم ورأي بقايا الوثائق الوقفية المسجونة في مكاتب الاستعمار بالجزائر، عجب لما فعل الإسلام في نفوس أسلافنا، ومن قرأ تاريخ المدن الجزائرية العلمية التي كانت لها في الحضارة أوفر نصيب – تلمسان وبجاية وتيهرت وقلعة بني حماد والمسيلة وطبنة وبسكرة.
- من قرأ هذه التواريخ علم أية سمات خالدة وسم بها الإسلام هذا القطر.
على هذا النحو من القوة والسمو والانتهاج والحضارة والعلم والأدب والفن، كان الإسلام في الجزائر، له في كل جو متنفس، وفي كل واد أثر، وفي كل علم أعلام، وكانت الحكومات متعاقبة إما أن تزيد في ذلك البناء الشامخ – وإما أن لا تنقص، وإما أن تجلو آثار الإسلام في الأنفس والآفاق وإما أن لا تطمس ومهما يبلغ الحاكم المسلم من استبداد وفساد وجرأة على المخلوقين فإنه لا يحارب الله في دينه لإخراب بيوته أو منعها أن يذكر فيها اسم الله، أو بتعطيل شعائره، أو باحتجان أوقافه وصرفها إلى غير مقصدها، واعتبر هذا التاريخ على طوله وامتداده في قريب من اثني عشر قرنا طورا واحدا للإسلام في الجزائر، هو ماصي الإسلام.

أما يومه فها هو: احتلت فرنسا الجزائر المسلمة العربية احتلالا مدبرا مبيتا على برنامج واسع يدور كله على محور واحد، ويرمي إلى غاية واحدة وهي إذلال المسلمين ومحو الاسلام في الشمال الإفريقي كله، واحتلال الجزائر إنما هو بدية بالقلب مطوية من أول يوم على احتلال تونس غدا ومراكش بغد، وبعد ذلك احتلال ليبيا، وكان الإسلام في الجزائر يوم الاحتلال قويا بمعنوياته ومادياته، مكينا في النفوس، متمكنا في الأرض بمقوماته من معابد إقامته ومدارس لعلومه وأوقاف دارة الريع للقيام به وحمايته والمحافظة عليه، وتشترك في ذلك الحكومة والأمة معا، وقد يتطرف إليهما الخلاف في كل شيء من أسباب الدنيا إلا في الدين وأسبابه، بل كانوا يختلفون في شؤون الدنيا فيكون الدين بسلطانه على النفوس هو الحامل لهم على اصلاح ذات البين وارجاع الحاكم إلى إقامة العدل، وارجاع المحكوم إلى التزام الطاعة وإقامة الحدود التي تحفظ الأمن والرسوم التي تضمن الوحدة وكان الحاكم المسلم هو الذي يرقم الأئمة والخطباء للمساجد ويختارهم من أهل العلم والفضل ويجري عليهم أرزاقهم من الأوقاف على الشروط المقررة قي الإسلام لتكون عبادات المسلمين صحيحة، ثم يقيم القضاة والموثقين ليحكموا بين المسلمين بأحكام الإسلام وينفذوها فيهم باسم الإسلام، لتكون أنكحتهم ومعاملتهم صحيحة.
فكان الإسلام في الجزائر بذلك كله هو المرجع في التشريع والتنفيذ، وهو المهيمن على العبادات والعادات، وهو المسيطر على الروحانيات والماديات، وهو الموجه لكل ما يصدر عن الأفراد والجماعات من أعمال، وكان من وراء الجهاز الحكومي طوائف من الفقهاء الشعبيين المتضلعين في فقه الأحكام أصولا وفروعا، الآخذين من فضائل علماء السلف بالنصيب الأوفى، فكان هؤلاء العلماء هم حراس الإسلام وأحكامه، يقوّمون بنفوذهم العلمي كل من زاغ عن سبيله من حاكم ومحكوم، وكانوا من استقامتهم بحيث لا يغضبون إلا لله، ولا يرضون إلا الله، كانوا من سعة السلطان على الجماهير بحيث يخشى غضبهم ويرجى رضاهم، وكانوا بوحدة المذهب السائد في الفروع – وهو مذهب مالك – في مأمن من اختلاف الرأي أو الاختلاف في الحكم، وهي خصوصية قل أن توجد في غير شمال إفريقيا، وبالجملة فقد كان هذا الطراز من العلماء الشعبيين هو ميزان الاعتدال في الجزائر وهو المسير الحقيقي للدولاب الحكومي والاجتماعي.
فماذا صنع الاحتلال الفرنسي من أول يوم؟ بدأ بخطة كانت مرسومة من قبل وكشف عن مقاصده المبيتة للإسلام بعد أسابيع من احتلال الجزائر العاصمة، ولم ينتظر انتهاء الحركات العسكرية التي طالت عشرات السنين، كأن به شوقا مبرحا إلى الانتقام من الإسلام وإطفاء ما يكنه من حقد عليه، بدأ بمصادرة الأوقاف الإسلامية بجميع أنواعها في العاصمة وإلحاقها بأملاك الدولة المحتلة، وأصدر قانونا بتعميم المصادرة في كل شبر يحتله، ثم عمد إلى المساجد فأحال بعضها كنائس، وبعضها مرافق دنيوية عامة، وهدم بعضها لإنشاء الشوارع والميادين، بدأ بهذا في العاصمة ثم عممه بعد استقرار الأمر له جميع القطر، ثم عمد إلى المساجد الباقية فاحتكر التصرف فيها لنقسه واستأثر بتعيين الأئمة والخطباء والمؤذنين والمفتين، وأجري عليهم الأرزاق من خزينته العامة ليبقوا دائما تحت رحمته، فلا يقدم لوظيفة من هذه الوظائف إلا من يجري في عنانه ويتوخى رضاه ويخدم مصالحه ولو خرب الدين وكان اجهل بالإسلام من إنسان المجاهل.
وأمر الاستعمار الفرنسي على هذا إلى اليوم، وله أعمال من دون ذلك هو لها عامل وكلها تتلاقى عند غاية قدّرها/ وهي محو الإسلام من الجزائر حتى تصفو له، فتنسى دينها ولغتها وتاريخها وأمجادها وعروبتها وشرقيتها وتصبح فرنسية الهوى والعاطفة والفكر واللسان والاتجاه، فيتخذ منها امتدادا لوطنه أمدادا لتوسعه. ومن مكائده الخفية لمحو الإسلام تشجيعه للخرفات والبدع والضلالات الشائعة بين مسلمي الجزائر لعلمه أنها تفسد عقائد الإسلام الصحيحة، وتحبط عباداته، وتبطل آثارها، وتخلط الموازين، فتلتبس السنة بالبدعة والفضيلة بالرذيلة والحق بالباطل، وعقيدة الحق إذا شابها ثوب الباطل أبطل أثرها في صفاء الأرواح، وعبادة الحق إذا لبسها الضلال بطل تأثيرها في تصفية النفوس، والفضيلة إذا مازجتها الرذيلة بطلت خاصيتها في تكوين الجماعات الفضلة.
خبّ الاستعمار وأولع في هذا المضمار وجمع على حرب الإسلام كل ضال من أبنائه وكل دجال و كل مبتدع وكل متّجر بالدين، يشجعهم ويرعاهم ويكرمهم ليحاربوا الدين الحق بالدين الباطل، وظاهرهم بجيش آخر من المبشرين يحميهم ويمهد لهم الطريق، وبجيش آخر من الملا حدة الذين أنشأتهم مدارسه على درجات تبدأ بالزهد في الإسلام ثم بالتنكر له والازدراء، ثم بالمروق منه.
هذا بعض ما فعله الاستعمار الفرنسي من موبقات نحو الإسلام، وما جنده من جنود لحرب الإسلام في الجزائر، لعلمه أنه لابقاء لسلطانه وجبروته مادام القرآن محفوظا، والعقائد الصحيحة ثابتة، والشعائر المرفوعة مقامة والسنن المأثورة مشهودة، ولغة القرآن مالكة للألسنة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




[u]
[justify]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://benchicao.forumalgerie.net
 
محمد البشير الإبراهيمي - من إعداد عبد المالك عبد القادر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأمير عبد القادر - من إعداد عبد المالك عبد القادر
» قصة سيِّدُنا نوح من إعداد عبد المالك عبد القادر
» العربي تبسي - من إعداد عبد المالك عبد القادر
» الأنبياء والرسل - من إعداد عبد المالك عبد القادر
» قصص للمطالعة من إعداد عبد المالك عبد القادر مدير مدرسة النصر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة :: الفئة الأولى :: مواضيع عامـة-
انتقل الى: