مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة
مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة
مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة

سر النجاح
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولالصياد الصغي  شخصيةمواضيع مختلفة

 

 الصياد الصغي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد المالك عبد القادر
Admin



المساهمات : 416
تاريخ التسجيل : 01/03/2013
العمر : 60
الموقع : https://benchicao.forumalgerie.net

الصياد الصغي Empty
مُساهمةموضوع: الصياد الصغي   الصياد الصغي Emptyالأربعاء مارس 13, 2013 8:52 am


ينتسب سعيد إلى عائلة متوسِّطة الحال، تعيشُ في مدينة تقع على ساحل البحْرِ. تمتازُ هذِه المدينَةُ بِمَناظِرهاَ الطَّبِيعيَّةِ الخلاَّبة، وَ طقسها المعتدِلِ اللّطيِفِ خاصةً في فَصْلِ الرَّبيعِ والصَّيْفِ، حيْثُ يتوافدُ عليهَا السُّيَّاحُ من كلِّ أنحاء الدُّنْيَا.
وَهِيَ مدينَةٌ هادئَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ بَحرٍ شاسِعٍ يَمْتَدُ إلى الآفَاقِ، وبينَ غابة رائعة من أشجار كثيفة مثمرةٍ وآثارٍ قديمَةٍ تشْهَدُ بِحَضاَرَةٍ عريقَةٍ في المَجْدِ مَرَّتْ بالبِلادِ مٌنذُ قُروُنٍ وكَوَّنَتْ مرَاحِل تاريخها الحاَفِلِ.
يمارس سكَّانُ المدينة جَمِيعَ أَنواعِ النَّشاطاتِ: من صناعاَتٍ يَدَوِيَّةٍ خَفيفةٍ، وتٍجارة نشيطةٍ، وفلاحة رابحَةٍ، وصَيْدٍ بحريٍّ مُتنوعٍ.
أمَّا والد سعيدِ فكانَ يَعْنُ بَحَّاراً في إحدى السُّفُنِ الكبيرةِ الَّتي تَتَولىَّ صَيْدِ الأسماكِ بالأضواء في اللَّياليِ الظَّلماءِ. وفيما عاد ذلك فإِنَّهُ يَشْتَغِلُ بالصَّيْدِ على السَّواحِلِ مُسْتَعْمِلاً وَسائلَ مٌخْتَلِفَةً كالشِّباكِ والخيوطِ والقَصَبِ.
وكثيرا ما كان سعيد ٌ يُرافق أَباه في الصَّيْدِ، وخاصَّةً في أيَّامِ الرَّاحةِ والعُطَلِ. لِأَنَّ الوالدَ يتمنَّى أنْ يكُون ابْنُهُ من التَّلاميذَ الفائزين النُّجباءِ. لذلك كان يراقِبُهُ بِحَزْمٍ ويَحُثُّهُ على القيامِ بواجباتِهِ المَدْرَسِيَّةِ أحسن قيامٍ. وهُوَ ولاَ ينسى أن يرفِّهَ عنهُ في أوقات الفراغِ، فتراه يأخذُهُ معه للتَّجوُّلِ






والتَّنزُّهِ في ضواحي المدينةِ وأرجائها، أو يُدْخِلُهُ دُوَرَ السِّينِماَ عِنْدَما يُعْرَضُ شريطٌ هامٌّ، أو يَبْعَثُ بهِ إلى الملعبِ البلديِّ حيْثُ تدور مبارة رياضيَّةٌ ممتازةٌ. وهو يبتَهِلُ إِلى الله عزوجلَّ أنْ يَفتَحَ بصيرةَ ابنهِ، ويَهْدِيَهُ إلى الطَّريقِ المُسْتَقيِمِ حتّى يَفُوزَ ويُصْبِحَ عُضْوًا صَلِحًا في المجتمع، فَيُفِدُ وَ يَسْتَفِيدُ.
كان سعيد كلَّمَا اصْطَحَبَ أَبَاَهُ إِلى البَحْرِ يَهْتَمُّ بجميعِ ما يقومُ به من أعمالٍ ويَتَتَبَّعُهَا بِكُلِّ دِقَّةٍ وانتباهٍ. صارَ مُولَعًا بالصَّيْدِ، ويَتَمنىَّ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ لَوْ تَسْمَحُ لَهُ الظُّرُوفُ بِذَلِكَ فَيُصْبِحَ مِثْلَ أَنْدادِهِ من أَطْفَالِ الحَيِّ يُلْقِي الشَّصَ في لبَحْرِ، ويَصْطَادُ السَّمَكَ من دونِ عَنَاءٍ.
استيْقَظَ سَعِيد يَومَ العُطلَةِ الأُسْبُوعيَّةِ بَاكِرًا، وَقَدْ عَزَمَ علَى الذَّهابِ إِلَى البَحْرِ معَ أبيهِ كَالمُعتادِ. وفيِ نِيَّتهِ هذِهِ الْمَرَّةِ أن يُجَرِّبَ حظَّهُ ويَتَوَلىَّ الصَّيْدَ بِنَفْسِهِ: لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ أباهُ، إنَّهُ اضْطَرَّ إلىَ السَّفَرِ لقضَاءِ بَعْضِ الشُّؤون.








اِحْتَارَ سعيدُ في أمْرِهِ وبقيَ يُفكِّرُ أَيْنَ سَيَقْضِي ذلكَ اليَومَ، وحدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بالذّهاب إلى البحْرِ وحْدَهُ.
وبَعْدَ تردُّدٍ قصِرٍ أخذَ قصَبَةَ أَبِيهِ في يَدِهِ، وَوَضَعَ سلَّةً في كَتِفِهِ وقَصَدَ البَحْرَ لِيَطْرَحَ هُناَ وهُناكَ صِنَّارَتَهُ، وَ يَقُومَ بِمُحاوَلَةٍ أُولَى فِي الْصَّيْدِ، إذْ أنَّ المسأَلَةَ على حَسَبِ زَعْمِهِ سَهْلَةٌ بَسِيطَةٌ، يُلْقيِ الشَّصَّ في البَحرِ ثُمَّ يَجْذِبُهُ فَتَعْلَقُ بِهِ سَمَكَةٌ فَيَأْخُذٌهَا وهكذَا دَاوالَيْكَ. اِغْتَنَمَ سَعيِدُ هذِهِ الْفُرْصَةَ، وَسَارَ نَحْوَ الشَّاطِئِ سَيْرًا حثِيثًا يَحْدُوهُ الأَمَلُ والنَّشَاطُ وَهُوَ يَقُولُ: (اليوْمَ سَأُحَقِّقُ أُمْنِيَةً عَزِيزَةً عَلَيَّ).
وَ لَمَّا وَصَلَ إلى مكانِ المعَيَّنِ تَسَلَّقَ صَخْرَةً عَالِيَةً، ومن فوقِهَا أجَالَ بَصَرَهُ البحر كما يفعَلُ أَبُوهُ، فرأى أمواَجاً خفيفَةً تتلاَطَمُ وفقاقيعٌ مُنْتَشِرَةً على وجْهِ الماءِ، فظنَّ أنَّهُ سِرْبُ منَ الأَسْماَكِ يَبْحَثُ عَمَّا يَقْتَاتٌهٌ.
وبِسُرْعَةِ البرْقِ فتح السَّلَّةَ وأَخْرَجَ منها دودا وعلَّقَهُ في الصِّنَّارةِ المَشْدُودَةِ بِخَيْطٍ إِلَى القَصَبَةِ بِسُهُولَةٍ. ومَا إنْ أتَمَّ سعيد حتى ألقَى بالشَّصِّ في البَحْرِ، فَتَدَلَّى الْخَيْطُ في المَاءِ وبَقِيَ الطُّعْمُ معَلَّقًا، واسْتَقَرَّتِ الخَفَّافَةُ عَائِمَةً.
لبِثَ سعيدُ يَتَأَمَّلُهَا ويتتبَّعُهَا بِانتِبَاهٍ كَبِيرٍ، وانْشَغَلَ على كلِّ شَيْءٍ سواها. وكان يضٌنُّ أَنَّهُ تارَةً يَخْسَرُ الطُّعْمَ، وتَارةً يَرْبَحٌ سمكةً.
مَرَّتْ مُدَّةٌ من الزَّمَنِ وإذَا بالقَصَبَةِ تَرْتَجِفُ في يَدِهِ. وإذا بالعوَّامَةِ تتَحَرَّكُ فَمَرَّةً تَغْطِسُ ومَرَّةً تَطْفُو. فقال سعيد: (هذه سمكةٌ. إنَّها سَتَلْتَهِمُ الطُّعْمَ وتَقَعُ في الصِّنَّارَةِ).
استَعَدَّ سعيدٌ وصار يتتبَّعُ العوَّامَةَ بِكُلِّ جَوارِحِهِ، ولاَ يُحَوِّلُ عَنْهاَ بَصَرَهُ ولمَّا غاصَتْ جَذَبَ القَصَبَةَ بِسُرْعَةٍ خَاطِفَةٍ لَكِنَّ الطُّعْمَ اخْتَفَى، فقد فازَتْ بِأَكْلِهِ السَّمَكَةُ ونَجَتْ بِحَيَاتِهَا.
تأسَّفَ سعيدٌ لِانفلاتِهَا، وأَعَاد رَمْيَ الصِّنَّارَةَ مَرَّتَيْنِ وثَلاَثَ مَرَّاتٍ وأَكْثَرَ مِنْ ذلكَ. فكَانَتِ الْنَّتِيجَةً واحِدَةً: يَذْهَبُ الطُّعْمُ وتَبْقَى الَّسمَكَةُ في المَاءِ.
بَدَأَ سعيدُ يَشْعُرُ أنَّهُ لَمْ يُصْبِحْ بَعْدُ قَادِرًا على الصَّيْدِ، وتَأَكَّدَ أَنَّهُ مَازَالَ فيِ حاجَةٍ إلى التَّدريبِ والتَّمْرينِ. وظَلَّ يَتَساءَلٌ عن السَّبَبِ خَاصَّةً وأنَّهُ أتَّبَعَ جَمِيعَ الأَعْمَالِ الَّتيِ كَانَ يَقُومُ بِهَا أَبُوهُ. فَهَلْ هُنَاكَ سِرٌّ يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَهُ؟








ضاع الوقت وأوشَكَ الطُّعْمُ أن ينتَهِيَ، وسعيدٌ لمْ يصْطَدْ شيْئًا.وقَد خُيِّلَ إِلَيْهِ ذلكَ المَكَان قَد خَلاَ منَ السَّمَكِ. إلاَّ أنَّهُ سُرْعَانَ مَا تَذَكَّرَ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْهُ مُنْذُ أنْ خُلِقَ. إِنَّهُ ملتقىَ تيَّاراتٍ تَأْوِي إِلَيْهِ الأسمَاكُ مِنْ كلِّ جِهَةٍ بَاحِثَةً عَنِ القُوتِ.
وجَالَ بِخَاطِرِهِ أَنَّ الأَسْماكَ تَنْتَقِلُ وَتتَحوَّلُ بِاستِمرارٍ فَهِيَ لا تسْتَقِرُّ في مكان واحِدٍ، و لَرُبَّما بَقِيَتْ هُنَاكَ سَمَكَةٌ وحيِدَةٌ وَقِحَةٌ، تُبْصِرُهُ ولا يُبْصِرُهَا وتَصْخَرُ مِنْهُ وتَسْتَخِفُّ بِهِ ولاَ يَنْقُصُهاَ إلاَّ أن تُخاطِبَهُ بِاسْتِهزَاءٍSadياَلَكَ مِنْ صَيَّادٍ أحْمَقَ! مازِلْتَ صَغِيراً لِتَحْتَالَ عليَّ. وضَعْتَ هذاَ الطُّعْمَ لِتَخْدَعَنِي بِهِ وَ تَأْخُذَنِي في قبْضَتِكَ. باللهِ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ ومن الّذيِ أتىَ بِكَ إلى هُنَا؟)
ويَسْتَمِرُّ سَعِيدٌ فيِ تَخَيُّلاَتِهِ وِ أَوْ هَامِهِ فَيَغْضَبُ وَيَثُورُ وَيَرُدُّ علىَ السّمَكَةِ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ الغَيْظُ كُلَّ مَأْخَذٍ:
(ياَلَكَ مِنْ سَمَكَةٍ خَبِيثَةٍ. لَسْتُ صَغِيراً، سَوْفَ لنْ تَفْلِتِي مِنِّي، وَسَأَبْقَى فيِ هذَا المَكَانِ حتَّى أظْفَرَ بِكَ).
وَبَقِيَ سَعِيدٌ يُمَنِّي النَّفْسَ بِالحُصولِ علىَ السَّمَكِ.
ثُمَّ يَتَرَاجَعُ عَنْ زَعْمِهِ وَيَذْعَنُ أَنَّ الصَّيْدَ صَعْبٌ:
((صحيحٌ تَنْقٌصٌنِي الْخِبْرَةٌ والدِّرَاَيةُ، ولَكِنِّي سَأُواصِلُ البَقَاء حتَّى النِّهَايَةَ. وَ لاَ يُمْكِنُ بِحَالٍ أَنْ أَرْجَعَ إلىَ البَيْتِ صِفْرَ اليَدَيْنِ. فماذا سَأَقُولُ لِأَفرادِ الأُسْرَةِ، سَوْفَ أَتَعَرَّضُ إِلَى سُخْرِيَتِهِمْ.))
ويُمسكُ سعيدُ أَعصابَهُ المتوتِّرَةَ، ويُعيِدُ رَمْيَ الصِّنَّارَةِ. وفيِ هذِهِ المَرَّةِ سَيَنْتَبِهُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ. وَمَا هِيَ إِلاَّ لَحَضَاتٌ حتَّى ارْتَجَفَتِ القصَبَةُ في يَدهِ: فخَفَقَ قَلبُهُ، إنَّهُ على أتمِّ الاستعدادِ. تَحَرَّكَتِ العَوَّامَةُ فَارتَعَشَتْ يَدَاهُ، وبِسُرْعَةِ البَرْقِ نزَعَ الصِّنَّارةَ من المَّاءِ, فإذا سَمَكَةُ كبيرةٌ يَلْتَمِعُ بَطْنُها في الشَّمْسِ كَالفضَّةِ تَقَعُ في الشَّصِّ. جذَبـَها وأَلْقَاهاَ علىَ الأَرْضِ، وإِذاَ بِهَا بَعْدَ بُرْهَةٍ تَتَخَبَّطُ على التُّرابِ.
اِبْتَهَجَ سعيدٌ بهذه السَّمَكَةِ، وغَمَرَتْهُ موجةٌ من الغِبْطَةِ والسُّرورِ. وأَعْجَبَهُ منظَرُهاَ وَهيَ تتَلوَّى وتتَقَلَّبُ ذات اليَمِينِ وذاتَ الشّمالِ. رَمَى القَصَبَةَ جانبًا ثُمَّ نَهَضَ مِنْ مَكَانِهِ بِخِفَّةٍ واقْتَرَبَ مِنَ السَّمَكَةِ، وَبِوَثْبَةٍ واحِدَةٍ أدْرَكَهَا و أَمْسَكَهَا بِكِلْتَا يَدَيْهِ مَخَافَةَ أنْ تَفْلِتَ مِنْهُ وتَقْفِزَ فيِ البَحْرِ، فَتَكُونُ الخَسَارَةٌ أَشَدَّ وَ أَعْظَمَ.
قَبَضَ عَلَيْهَا بِقُوَّةٍ، وانتصَبَ واقفاً كَالبَطَلِ الشُّجاَعِ وَخَاطَبَهَا قائلاً:
( الْحمْدُ لِلَّهِ. هَا أنْتِ تَقَعيِنَ فيِ قَبْضتِي. ألا تعْلَمينَ أنّيِ تَعَذَّبْتُ مِنْ أَجْلِكَ وذُقْتُ الأَمَرَّيْنِ في سبيلِ إِخْراجِكِ مِنْ البَحْرِ. صحيحٌ من صبَرَ ظَفَرَ).





ثُمَّ خَلَّصَ منها صِنَّارَتَهُ بِتَعَبٍ شَدِيدٍ لأنَّها الْتَهَمَتِ الطُّعْمَ التِهَامأ وابتلعَتِ الشِّصَ في حَشَاهَا. بَعْدَ ذلك حملها واتجَهَ نحو المَنْزِلِ لِيُخْبِرَ أُمَّهُ بِماَ حصَلَ. وَبِمُجَرَّدِ ماَ وَصَلَ أَخَذَ يَصيِحُ: (أمَّاهُ، أُمَّاهُ! تَعَالَيْ، أَسْرِعِي! اُنْظُريِ إِلَيْهَا، إِنَّهَا فيِ قَبْضَتيِ).
كانت الأُمُّ مُشْتَغِلَةً بِإِعْدادِ الطَّعاَمِ، وعِنْدَمَا سَمِعَتِ ابْنَهَا يُنَادِيهاَ فيِ اضْطِرَابٍ خَرَجَتْ مِنَ المَطْبَخِ مُهَرْوِلَةً وَهِيَ تَقُولُ: (مَابِكَ ياَبُنِي؟ مَا أصَابَكَ وَمَا دَهَاكَ؟) ولَمَّا شاَهَدَتْهـ مُبْتَسِمًا يَكَادُ يَطِيرُ فَرَحًا.
وهو مُمْسِكٌ بالسَّمَكَةِ وَ يُحَمْلِقُ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْنِ بَرَّاقَتَيْنِ قَالَتْ لَهُ:
- ما هذه السَّمكةُ؟مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَا؟
فَأجابها، وقد دَاخلَهُ العُجْبُ وَ الكِبْرِيَاءُ، وانتفخَ كالدِّيكِ الُّوميِّ، قائِلاً:
- لَقَدِ اصْطَدْتُهاَ وَحْديِ من البَحْرِ. والله لَمْ يُساعِدْنِي عَلَيْهَا أَحَدٌ، أَرأَيْتِ ما أَجْملهاَ ! أظُنُّ أَنَّها تَكْفيِ لغذائنا اليَوْمَ؟
اِرْتَمَتِ الأُمُّ على ابنها وأَمْطَرَتْهُ بقبلات حارَّةٍ، ثمَّ ضمَّتْهُ إلى صدرها طويلاً ورفَعَتْ طَرْفَها إلى السّماء، ومن أعمَاقِ فُؤادِهاَ دَعَتْ الله أن يحفظ ابْنَهَا مِنْ كُلِّ سوءٍ، وأن يُلْهِمَهُ الرُّشْدَ و الصَّوابَ.وأمام هذه الغَمْرَةِ من الفرحِ لَمْ تَشإِ الأمُّ الحنُونُ أنْ تُغْضِبَ فَلْذَةَ كَبِدِهَا، بَلِ اكْتَفَتْ بِإِبْدَاءِ بَعْضَ المُلاَحظَاتِ بِكُلِ لُطفٍ فَقَالَتْ :
- أظُنُّ أنَّكَ ذَهَبْتَ وَحْدَكَ إلى البَحْرِ.لا.لايابٌنَيَّ. ألَمْ تَعلم أنَّ أباك غائب وهو لايُريد أنْ تَعْملَ عملاً من دونِ استشَارتِهِ، ولاَ يَهُمُّهُ إلاَّ أن يراك مجتهِداً فِي دٌرٌوسِكَ، نَاجِحًا في تَعَلُّمِكَ؟
أحسَّ سَعِدٌ بالهَفْوَةِ، وضَمَتَّ بُرْهَةً ثمَّ قالَ في لَهْجَةٍ خَافِتَةٍ:
- فِعْلاً يَا أُمَّاهُ، لقَدْ ذَهَبْتُ وحدِي إِلىَ الشَّاطِئِ، وجلسْتُ في المكان الَّذي اعتاد والِدِي أنْ يَجْلِسَ فيهِ.
ثمَّ دَحْرَجَتْ معهُ في الحديثِ بِكامِلِ الهُدوءِ حتّى لاَ يَشْعُرَ بِغَضَبِهَا، فَسَأَلَتْهُ قَائِلَةً:
- وبِــمَ أصْطَدْتَ هـــــذِهِ السّـــــمَكَةَ؟
- اِصطدْتُهَا بقَصَبَةِ أَبـِي.
- وَ أَيْنَ هِيَ؟
وهُنا تذكَّرَ سعيدٌ أَنَّهُ نسِيَهاَ علىَ الصَّخْرَةِ في لبَحْرِ، فخرجَ لِلْبَحْثِ عنها وَ قَدِ اِمتَزَجَ فَرَحُهُ بِخَوْفٍ كَبيرٍ.
بَيْنَما كان سعيدٌ في المنزلِ عَادَ الأبُ من سَفَرِهِ، وَ أَرادَ أَنْ يَمُرَّ بالطَّريِقِ الْمُحاذِيَةِ لِلْشَاطِئِ. وفِي مكانِ صيْدِهِ المعهوُدِ وَقَفَ مُتَأَمِّلاً، فَشَاهَدَ على الصَّخْرَةِ سَلَّةً وَ قصَبَةً ولْيْسَ بالْقُرْبِ مِنْهُمَا أَحَدٌ.
تَقَدَّمَ لِلتَأَكُّدِ مِنْهُمَا، فَإِذَا هُمَا قَصَبَتُهُ وَسَلَّتُهُ، فَلَمْ يَشُكَّ لَحْظَةً فيِ أَنَ ابْنَهُ سعيدٌ هُوَ الَّذي أَتىَ بِهِمَا، لَكِنَّهُ غَيْرَ مَوجُودٍ، أَيْنَ هوَ ياَ تُرَى؟
اِضْطَرَبَ الوالِدُ وخطَرَ بِبَلِهِ أَنَّ وَلَدَهُ سَقَطَ فيِ البَحْرِ. ولمَّا كَانَ صَغِيرًا لاَ يُحْسِنُ الِّبَاحَةَ غَرِقَ... ثُمَّ قَالَ فيِ سِرِّهِ:
((لا. لنْ يَحْدُثَ هذاَ، فسعيدٌ ذَكِيٌّ وَحَذِرٌ، يَحْتَاطُ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ. ولَكِنْ أَي~نَ هُوَ؟))








وَ ازْدَادَتْ حَيْرَتُهُ، وأَظْلَمَتِ الْدُّنْياَ أمامَ عَيْنَيْهِ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ أَخَذَ يَصِيحُ ويُنَادي:
(( أَيْ وَلَديِ! أَيْنَ أَنْتَ؟ اِيتِ حَالاً. لاَ تَخَفْ.))
وما كان سعيدٌ هُنَاكَ حتىَّ يُجيبَهُ.
أدْرِكَ الأبُ أنَّهُ لا حياةَ لِمَنْ يُنَادي، فَطارَ عَقْلُهُ وَحَسِبَ أَنَّهُ غَرِقَ. وَ بِسُرْعَةٍ جُنُونِيَّةٍ خلَعَ ثِيابَهُ وارْتَمىَ فيِ البَحْرِ لِيَبْحَثَ عنْ اِبْنِهِ الغَرِيقِ، وظَلَّ يَسْبَحُ وَيَسْبَحُ ويَتَنَقَّلُ مِنْ مَكانٍ إلى آخَرَ حتَّى أَنْهَكَهُ التَّعَبُ وخَارَتْ قُوَاهُ وَلَمْ يَجِدُ شَيْئًا.
وبينماَ كَان سَعيدٌ عائِدًا إِلى الشَّاطِئ، إِذْ أَبْصَرَ فَجْأَةً أَبَاهُ يَعومُ، إِنَّهُ يَغُوصُ تَارةً ويَطْفوُ أُخْرَى ثُمَّ يَقِفُ متَأَمِّلاً كَأَنَّهُ يَبْحَثُ عنْ شَيءٍ ضَائِعٍ. اِرتاعَ سعيدٌ وَخَجِلَ ودقَّ قَلْبَهُ من شِدَّهِ الخَوفِ. لَقَدْ كَشِفَ الأمْرُ، فَمَا الَعَمَلُ؟
حَاوَلَ سَعيدٌ أنْ يَتَقَدَّمَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَكَأَنَّ رِجْلَيْهِ قَدْ شُدَّتَا إِلىَ الأرْضِ. إِنَّهُ يَوْمٌ كَبِيرٌ، وَمَوْقِفٌ حَرِجٌ. ثُمَّ تَشَجَّعَ وَقَالَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ:
(( أَبيِ. لَقَدِ انْتَظَرْتُكَ طَويلاً... هَلْ أَعُومُ مَعَكَ؟))
رَفَعَ الأَبُ رأْسَهُ كالْمَعْتُوهِ، ونَظَرَ فِي اِتجاهِ الصَّوْتِ، فَإِذَا بِابْنِهِ وَاقِفٌ، وَمَا أَصَابَهُ سُوءٌ. حَمِدَ اللَّهَ علىَ سلامَتِهِ وَحَوْقَلَ ثُمَّ خَرَجَ منْ البَحْرِ مرْتَعِشًا يَهْتَزُّ كَقَصَبَةٍ فيِ مَهَبِّ الرِّيحِ وارتمَى على اِبْنِهِ يُعانِقُهُ وَ يُقَبِّلُهُ، وقَدِ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وسَالَتِ الدُّمُوعُ مُتَنَاثِرَةً.
خَافَ سَعِيدٌ لمَّا أَبْصَرَ وَالِدَهُ هَكَذَا وَبَقِيَ جَامِداً فيِ مَكَانِهِ. وَمَا كَانَ يَتَصوَّرُ أَنَّ المَسْأَلَةَ سَتَؤُولُ إِلى هذَا المَوْقِفِ الأَليِمِ المُؤَثِّرِ.
أَمَّا الأبُ فَإِنَّهُ تَنَهَّدَ فيِ تَحَسُّرٍ وَقَالَ: ((أَتَفْعَلُ هَكَذَا ياَبُنَيَّ. مَا كَان يَجِيءُ فيِ ظَنِّي أَنَّكَ تَتَجَاسَرُ على القِيَامِ بِهذَا العَمَلِ. فَلَوْ سَقَطْتَ في البحرِ فإِنَّكَ تَمُوتُ.لاَ. سَوْفَ. لَنْ أَرْضىَ عَنْكَ إِذَا عُدْتَ إِلى مثْلِ هذَا الصَّنيِعِ فيِ المُسْتَقَبَلِ.))
تَأَثَّرَ سعيِدٌ، وآلَمَهُ كثيراً أَنْ يَرَى أَبَاهُ عَلىَ هذِهِ الصُّورَةِ. فَتَعَلَّقَ بِعُنُقِ أَبِيهِ وانفجَرَ بالبُكاَءِ. ثمَّ اعتذَرَ عمَّا صَدَرَ مِنْهُ، وطَلَبَ الضَّفْحَ والغُفْرانَ.
لَبِسَ الأَبُ ثِياَبَهُ، وقدْ عادَتْ إِلَيْهِ الرُّوحُ بعْدَ أنْ كادَتْ تُزْهَقُ. وحَمَلَ الابنُ السَّلَّةَ وَ القَصَبَةَ وَهُوَ نائمٌ علَّى فِعْلَتِهِ أَشَدَّ النَّدَمِ. وَعَادَ الإثْنانِ إلى المَنْزِلِ وَاجِمَيْنِ حَيْثُ كَانَ الوَالِدُ يَمْشيِ مُتَـثَاقِلاً مٌطَأْطِئَ الرَّأْسِ، والولَدُ يسيرُ ورَاءَهُ وَهُوَ يَأْسَفُ لِهَذَا المَوْقِفِ رَغْمَ الفوزِ بالغنيمَةِ.
وفي منتصفِ الطَّريقِ اقْتَرَبَ سعيدٌ من أبِيهِ وَبِصَوتٍ مُتَقَطِّعٍ تَخْنُقُهُ العَبَرَاتُ أَخْبَرهُ بِالقِصَّةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلى آخِرِهَا، ورَجَاهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ زَلَّتَهُ. ثُمَّ واصَلاَ السَّيْرَ حَتَّى أَدْرَكَا المَنْزِلَ.
دَخَلاَ فَوَجَدَ الأُمَّ فِي حَيْرَةٍ تترَقَّبُ قُدُومَهُمَا. تَفَرَّسَتْ فيهمَا فإِذا بالزَّوْجِ مُبَلَّلُ شَعَرِ الرَّأْسِ، وَإِذا بابنها يَحْتَميِ بِهَا وَيَجْهَشُ بِالبُكَاءِ.
عِنْدَ ذلِكَ فَهِمَتِ الأُمُّ كُلَّ شَيْءٍ، وتَدَخَلَتْ في الأمرِ بِكُلِّ فِطْنَهٍ وَذَكَاءٍ... وَتَقَدَّمَ سَعِيدٌ إِلىَ أَبيهِ طَالِبًا مِنْهُ العَفْوَ، وَأَفَادَهُ أَنَّهُ تَلَقَّى دَرْسَا قَاسِيًا سَيَكُونُ لَهُ حَافِزًا علَى الاِعْتِنَاءِ بِوَاجِبَاتِهِ المَدْرَسيَّةِ، وَعامِلاً لِلاِمْتِثَالِ إِلَى نَصَائِحِ مُعَلِّميِهِ وَوَالِدَيْهِ حتَّى يَفُوزَ فَوْزاً مٌبِينًا.
سامَحَ الأبُ ابْنَهُ، وعادَتِ البَهْجَــةُ إِلىَ البَيْتِ. وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حتَّى أَعَدَّتِ الأُمُّ مَائِدَةَ الطَّعَامِ وَدَعَتْهُمَا إلىَ تَناَوُلِ الغَداَءِ. وكَانتِ السَّمَكَةُ الَّتي اصْطَادَهَا سعيدٌ من بين الأطْعِمَةٍ المُقَدَّمَةِ.
وَهُنَا لَمْ يُخْفِ الأبُ إعجَابَهُ بِحَيَوِيَّةِ سَعيِدٌ وَفِطْنَتِهِ فقالَ: ((لِنَبْدَأْ على بَرَكَةِ اللَّهِ بِأَكْلِ السَّمَكَةِ. هذِهِ السَّمَكَةُ الَّتيِ حَيَّرَتْنَا وَعَكَرَتْ صَفْوَناَ. وَإِنِّي ُ إِذْ أَبْدَأٌ بِهَا فَلِأَنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّهَا سَتَدْفَعُ سَعيدٌ إِلى العَمَلِ المٌجْدِيِّ كَيْ يُوَاصِلَ تَعَلُّمَهُ بِحَزْمٍ وَعَوْمٍ دائِبَيْنِ. وَتَجْعَلُنيِ أَطْمَئِنُّ على مُسْتَقْبَلِهِ لأَنَّ من جدَّ وَجَدَ وَمَنْ زَرَعَ حَصَدَ.))
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://benchicao.forumalgerie.net
 
الصياد الصغي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدرسة النصر وادي العلايق. البليدة :: الفئة الأولى :: مواضيع عامـة-
انتقل الى: