مدخل للتعليم التحضيري
ورياض الأطفال
مدخل للتعليم التحضيري
تشير الاتجاهات المعاصرة في تربية علم النفس إلى أن لمرحلة الطفولة المبكرة ـ تأثير كبير على شخصية الإنسان من حيث:
ـ نظرته إلى الحياة
ـ تكوين أهدافه
ـ تشكيل وجدانه
ـ اتزان قواه ودوافعه
ـ تمايز استعداداته (جسمية ـ عقلية ـ وجدانية)
الأمر الذي تطلب وجوب الاهتمام بهذه المرحلة ـ رعاية وتوجيها وفي هذا الخصوص وصل (يلوم) في دراساته حول النموالعقلي للفرد عام 1964 على أن:
- 50 % من المكتسبات الذهنية لدى المراهق في سن 17 من عمره تتكون بشكل ثابت في السنوات الأربع الأولى
- 30 % منها تظهر بين سن الرابعة ـ والثامنة.
- 20 % بين سن الثامنة والسابعة عشر
ـ وهذا يعني:
- إن مرحلة الطفولة المبكرة تمهد ـ وتؤسس لمرحلة الطفولة المتوسطة – وبالتالي وجوب الاهتمام بالأولى من أجل ضمان نجاح الثانية.
إشكالية التسميات وتباين المفاهيم
تعرف هذه المرحلة تسميات متعددة ـ (وفي إنجلترا) مدارس لرعاية الأولية ـ ونظرا لتقارب تسمية ـ الروضة ـ والتعليم التحضيري خاصة المدة الزمنية ( 3 . 5)(4 ـ 6) ـ فإن استعمالهما مترادفين في هذا المدخل المقبول.
وقفات تاريخية
1 – اهتمت التربية اليونانية القديمة بـ :
- مساعدة الطفل على تحقيق نموه المتكامل ـ جسما ـ وعقلا ـ وروحا ـ وذوقا ـ عن طريق الألعاب ـ والموسيقى ـ واللغة ـ والرياضيات في السنوات الأولى من عمره.
2 – كان الهدف من التربية في الديانة المسيحية ( في العصر الوسيط) هو تقوية عقيدة الطفل - وتهذيب خلقه – وإعداده للحياة الآخرة ـ ثم اهتمت بجسمه وعقله – وذوقه.
3 – أما تربية الطفل في الإسلام ـ فكان الهدف منها ـ الجمع بين الدين والدنيا إذ نصح أبو حامد الغزالي ـ في كتابه التواب والعقاب – إلى وجوب الاهتمام بتهذيب خلق الطفل – وشغل أوقات فراغه .... والاعتدال في معاملته والاهتمام بلعبه ـ وتنمية جسمه وتقويته ـ والبحث له عن أسباب الراحة والاطمئنان وقد ذهب ابن خلدون إلى النصح ـ بتنويع أساليب التعليم ـ وأشار إلى التلقين والمحاكاة ـ والتجريب ـ واستخدام الوسائل ـ ومراعاة التدرج والتتابع ـ والتعمق والشمول في تعليم الأطفال.
4 - أول مدارس الأطفال ظهرت عام 1816 في تيولانارك بإنجلترا على يد – الفيلسوف الاجتماعي – رويتر – اوون – الذي أراد أن تكون مدارسه وسيلة للتربية الشعبية السليمة - وذلك بتدريب الأطفال على العادات العملية الحسنة ـ كتعلم القراءة ـ وفهم مبادئ الرياضيات وتعلم البنات الطبخ والخياطة ـ تحت إشراف معلمات يتركن الحرية للأطفال للعب داخل الفصول ـ وإخراجها ـ واختيار النشاط الذي يحبذه بنفسه ، ورغم هذا السيق لا توجد في إنجلترا تسمية – لرياض الأطفال ـ ولاحتى التعليم التحضيري .
- فالتسمية الموجودة حتى الآن هي:
1 – الرعاية الأولية – وتمتد من 3سنوات – 5سنوات
2 – مدارس الأطفال – وتبدأ من نهاية سن 5 سنوات وتمتد حتى سن 7 سنوات وهذا دخول التعليم الالزامي.
التعليم التحضيري – ورياض الأطفال في دول العالم في القرنين الآخرين
استجابة للحقائق العلمية – والدراسات الإنسانية المختلفة حول الطفل – وحقوقه الاجتماعية ....زاد الاهتمام في العالم بمرحلة التعليم التحضيري ورياض الأطفال .... وذلك بإنشاء المدارس وتكوين المعلمات.. علاوة على تشجيع الدراسات والبحوث حول نموالأطفال ـ وحاجاتهم ـ وميولهم ـ وخصائصهم.
ورغم اختلاف درجة الاهتمام من دولة إلى أخرى ـ ومن مجتمع إلى آخر بسبب عوامل كثيرة ـ اقتصادية ـ وسياسية واجتماعية .. فإن الاتجاه إلى تطوير هذا النوع التعليم هو السائد لدى كثير من دول العالم.
1 – ففي الاتحاد السوفياتي سابقا ـ حدثت مراجعة للمناهج ـ قصد تكييفها مع الأبحاث والدراسات التي أظهرت – أن مستوى النمو المعرفي والاجتماعي لدى الأطفال الذين تحصلوا على تعليم سابق، للمدرسة الابتدائية ـ كان أعلى مما هو عليه عند الأطفال الذين بقوا في بيوتهم، حتى سن دخول المدرسة.
2 – في دول أوروبا الغربية – وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية بناء على الدراسات المتقدمة في هذا الشأن ـ أصبح التعليم التحضيري ورياض الأطفال – جزءا من التعليم العام الذي تلزم الدولة بتحضيره وتشرف على تنفيذه ـ لضمان التعليم الناجح.
3 – في الوطن العربي بدأ يظهر الاهتمام برياض الأطفال ـ وإن كان دون المستوى ـ إذا ـ ما قورن بالكتل السابقة الذكر . وذلك من جهة الإشراف ـ وإعداد البرامج ـ وتوفير الإمكانات ، من أجهزة وأدوات لازمة ـ وتوفير الأماكن الملائمة ...حتى أن التعليم في هذه المرحلة الذي تحدثت عنه النصوص ـ لازال ـ حتى سنة 1980 ـ خارج السلم التعليمي الرسمي في أغلب الدول العربية .....إذ ترتكز الجهود المبذولة في القطاع الخاص ومن ثمة ـ فإن الفئة المستفيدة منه قليلة جدا ـ وهي تلك التي تستطيع تسديد تكاليفه ـ وبالتالي ـ فإن أغلب الأطفال لا يؤمون هذه المدارس نظرا لضيق الحال والفقر ـ ويشير الدكتور عبد العزيز القوص ـ في إحدى دراساته ( التعليم التحضيري بين النظرية والتطبيق) مليون طفل لا يقابلها في التعليم التحضيري سوى 240 ألفا أي بنسبة 2.3 % من مجموع الأطفال في نفس العمل ( 4 ، 5 سنوات ) وتأتي لبنان في مقدمة الدول العربية بنسبة 34.5 % ـ ثم التكوين ـ بنسبة 24%ـ أما بقية الدول الأخرىحسب الدراسة المذكورة ـ فلم ـ تصل إلى شيء يمكن ذكره ولهذا تحتاج إلى دراسة متأنية وواعية ـ وهذا ماكان عليه الحال في الجزائر.
أسباب ظهور مدارس التعليم التحضيري
1 - عجز بعض الأوساط التي يعيش فيها الأطفال عن الإشراف الواعي
2- خروج المرأة للعمل ـ مما أثر على دور الأسرة في تنشيئة الأطفال ـ التنشيئة المطلوبة.
3- ضيق السكن ـ الذي أعاق الأطفال عن الحركة بحرية.
4- كثرة المخاطر ـ وتنوعها في شوارع المدن ـ والازدحام والضجيج.
5- تعدد أفراد العائلة الواحدة وتشعب المسؤوليات والاتجاهات.
6- التطور العلمي والتكنولوجي ـ وتنوع الدراسات العلمية في تحديد ملمح المواطن الصالح.
أراء فروبل – أهم مدارس رياض الأطفال
أول روضة للأطفال عرفتها التربية تحت شعار (( دعونا نوفر حياة جديدة – لأطفالنا – أنشأها الألماني – فريدريك فروبل الذي عاش بين 1782 – 1852 ـ بناها على أساس فكرة ـ مساعدة الطفل على النمو المتكامل – والسليم – ابتداء بميوله – وطبيعته – ونزعته إلى الحركة والعمل – مما يستلزم أن يكون التعليم في هذه المرحلة على نشاط الطفل الناشىء ـ حيث نادى بـ:
1 – بناء الأنشطة المدرسية – على أساس الترابط والاستمرار – تماشيا مع ترابط واستمرار النمو –داخليا – بين الظواهر النفسية – كالإدراك والإحساس.
2 – وجوب احترام الأطفال – وإعطائهم الحقوق التي يتمتع بها الكبارـ ومعاملتهم على أنهم أفراد يجتازون طورا فريا ـ وحساسا ـ من أطوار حياتهم.
3 – الطفل فيه مجموعة من الغرائز ـ أهمها غريزة التفكيك ـ والتركيب ـ وغريزة حب الاستطلاع ـ التي تبدأ بعملية التقليد – فإذا ما استغلت هذه الغريزة استغلالا تربويا سليما ـ أدت إلى الإبداع والإبتكار.
4 – إن حواس الطفل هي قوى غريزية تحتاج كل واحدة منها إلى تدريب خاص.
5 - إن العقل وحدة كاملة ليست مقسما إلى ملكات – أو قوى مستقلة.
6 – لاتدخل المعلمة في عملية التعليم – والتدريب مباشرة – وترك المجال للطفل – لإكتشاف مايستطيع اكتشافه – من خبرات ومعارف جديدة – ودورها يقتصر في التعبير لما يكتشفه – وتوجيهه – إلى ما يحب اكتشافه.
7 – نشاطات الرسم والأغاني الخفيفة والأناشيد – لن تخلق فنانا ـ أو موسيقيا – وإنما تتيح له الفرصة –لينمو نموا – حرا – وطبيعيا – هادئا كما أراده الله.
8 – الرسم ضروري لحياة الطفل مثل اللعب – وكفاءة الرسم فطرية - مثل كفاءة الحديث ـ ينفي تطويره .... لذا تلجأ رياض الأطفال إلى الرسم لأنه يساعد على تقوية وتنمية العضلات الدقيقة لليد – ويمد القلب – والعقل بنواحي إدراك ممتازة – وأفكار رائعة.
9 – اللعب مهم – لأن الطفل يضع فيه كل إمكاناته للوصول إلى هدف معين ـ وبالتالي يتعلم الالتزام ببعض القوانين الخاصة باللعب – مما يؤدي به إلى الالتزام بقوانين الحياة فيما بعد.
10 – المرأة أفضل من الرجل في رياض الأطفال – لأنها أكثر معرفة بالطفل وحباًّله – وصبورة على حركاته الدائمة ـ ومشغباته المتكررة.
- أهداف التعليم في رياض الأطفال عند – فروبل –
1 – تعويد الطفل على الجو الدراسي ـ للإلتزام بتنظيماته المختلفة .
2 – تنشيط التفكير المنطقي لديه ـ خلال ساعات لعبه وعمله في الروضة.
3 – اشراك الأطفال في جو الفناء والموسيقى والرقص – والرسم يخلق لديهم مبادئ التذوق الفني للأعمال والمواقف المحيطة بهم.
4 – توسيع دائرة الخبرات الذاتية بالتعامل مع بيئة مليئة بالأنشطة العلمية والعملية – فنية – اجتماعية – ترويحية – ترفيهية –
5 – تحرير طاقة الطفل الجسمية عن طريق اللعب – والتدريبات الحسية مما يكسبه خبرات عقلية- ومهارات حركية – وقيم خلقية.
6 – تنمية الاتجاهات الاجتماعية وتدريبه على توقيف مصالحه الذاتية ـ ومصالح الجماعة التي يعيش فيها.
7 - تشجيعه على توسيع دائرة معارفه – خارج الأسرة - مع الأقارب والمعلمات ـ والزملاء ـ وحتى الغدارة والعمال ..
8 – تعويده على التعاون مع غيره من الأطفال – وتعريفه مفهوم النظام ـ والقدرة على الالتزام بالتعليمات – والنظم المدرسية .
9 – تعريفه ببعض المبادئ، العامة عن القراءة – والكتابة – والحساب –
10 - استشارة رغبته للاستفهام وحب الاطلاع
11 – تعريفه مفهوم العمل – ومظاهر – اختلافه عن اللعب الذي تعود عليه داخل الاسرة.
أراء ماريا - موتيسوري
تعد ماريا – موتيسوري – (1870 – 1952 ) أول مربية إيطالية تهتم بتربية الأطفال الفقراء – في مرحلة ماقبل المدرسة – في سان لورانسي بإيطاليا – بعد - اقتناعها - أن الطريقة التي تستعمل في التعليم غير الأثرياء ـ يمكن تطبيقها على الأطفال العاديين – فكانت آراؤها كمايلي :
1 – أن البيئة التربوية الغنية بالمثيرات – هي التي تسمح للطفل – بإظهار مهارته – تحت إشراف معلمته – قصد تحقيق نموا جسمه – وعقله – ولغته – وحواسه وخلقه.
2 – تنفق ماريا ـ موتيسوري ـ مع بياجي أن النمو المعرفي ـ نشأ خلال مراحل متتابعة ... وأن الطفل يحتاج للتفاعل مع بيئته من أجل تنمية قدراته على تنظيم وتصنيف - المفاهيم الواقعية والمجردة .
3 – المنهاج التعليمي يجب أن يقوم على قوى الملاحظة – التي التي توجد لدى الطفل ابتداء بالأشياء التي تروق لحواسه – وتبقى المواد الرمزية للانتفاع بها واستخدامها أخيرا - وذلك بعد أن يكون الطفل قد اكتسب بعض المعرفة من الانطباعات الحسية الجديدة.
أما بياجي فيري أن النمو العقلي يتطلب إلى جانب التعاون مع الراشدين – التعاون فيما بينهم – لأن الصراع في الآراء بين الأطفال يجعلهم يدركون مباشرة وجهات نظر مختلفة ـ وتفضيل العمل الجماعي - على العمل الفردي – والعمل العقلي المبني على التجربة المباشرة على التلقين اللغوي يحبذ أن يكون التعليم شيقا ونشطا – وهو ما يتفق فيه مع ماريا نيتسوري.